باريس، فرنسا
08/كانون الأول/ديسمبر 2025
اتّسم العام الذي تلا السقوط المفاجئ لنظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 بتغيرات تاريخية وجوهرية في سوريا، حملت في بدايتها إحساسًا جديدًا بالأمل والتفاؤل لدى السوريين، ولا سيما لدى ملايين اللاجئين منهم. ورغم هذا التفاؤل الأولي، لا تزال سوريا تواجه تحديات جسيمة في مجالات حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة، وهي تحديات لا بد من التعامل معها لمواجهة إرث الماضي وضمان الاستقرار في المستقبل.
في إحياء هذه الذكرى، يستحضر مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) ذكرى السوريين والسوريات الذين لا يُحصَون، ممن طالبوا بالعدالة والحرية والحقوق المدنية، فتعرضوا نتيجة لذلك لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على يد نظام الأسد – من أولئك الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم وإخفاؤهم قسرًا، وتهجيرهم من منازلهم وتحويلهم إلى لاجئين في الخارج، وحرمانهم من أبسط حقوقهم وحرياتهم وحماياتهم الأساسية. وبينما يُعدّ التحول الكبير في موازين القوى محطة سياسية مفصلية، فإن المطالب العميقة التي حملتها الانتفاضة السورية، والمبادئ الجوهرية لحقوق الإنسان التي نادت بها، يجب أن تظل البوصلة التي توجه سوريا في فصلها الجديد. إن احترام الحق في الحياة، والمساءلة والعدالة عن الانتهاكات الماضية، والمشاركة الشاملة والتمثيلية في الحكم، وحماية جميع المكونات من دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو النوع الاجتماعي أو الانتماء السياسي – تُعد جميعها شروطًا أساسية وجوهرية لبدء مسار انتقالي حقيقي يقود إلى عدالة فعلية، وتعافٍ شامل، وسلام دائم في سوريا.
على الرغم من الرواية الشاملة والمقنعة بأن سوريا أصبحت الآن آمنة، لا تزال البلاد تواجه تحديات متعدّدة ومتداخلة على الصعيدين الأمني والسياسي، وكذلك على المستويين الاقتصادي والإنساني. إن أعمال العنف الواسعة التي شهدتها المناطق الساحلية في مطلع عام 2025، والمجازر ذات الطابع الطائفي في آذار/مارس 2025، واستمرار حالة التوتر وأعمال العنف في السويداء منذ تموز/يوليو 2025، وحالات التعذيب، والقتل تحت التعذيب داخل مراكز الاحتجاز والتوقيف خصوصًا في دمشق، إضافة إلى التوغلات الإسرائيلية في المناطق الجنوبية، جميعها تؤكد أن الأوضاع لا تزال غير مستقرة وغير آمنة. وفضلًا عن ذلك، فإن النزوح الداخلي الواسع النطاق، والدمار الكبير الذي طال المساكن والبنية التحتية، والتلوث بمخلّفات الحرب القابلة للانفجار، والانتهاكات المستمرة لحقوق السكن والأرض والملكية، وضعف الاقتصاد، واستمرار الأزمة الإنسانية لفترة طويلة – كلها تشكّل مخاطر جسيمة على حماية المدنيين السوريين، كما تؤثر بعمق في تصورات اللاجئين السوريين بشأن العودة.
على الرغم من هذه الوقائع داخل سوريا، اتجهت الدول المضيفة في المنطقة بشكل متزايد إلى اعتماد سياسات تقييدية وقسرية تدفع بالسوريين إلى العودة في وقت لا تزال فيه الشروط الدنيا للسلامة غير متوفرة. ففي لبنان، لا يزال اللاجئون السوريون يواجهون عمليات إخلاء قسري، واعتقالات عنيفة وتعسفية، ومداهمات أمنية، والاحتجاز، وحالات الإخفاء القسري، فضلًا عن التمييز الممنهج، وتصاعد الخطاب المعادي للاجئين، إضافة إلى عوائق قانونية جسيمة تحول دون حصولهم على الحماية القانونية اللازمة. وفي حين اختار العديد من اللاجئين العودة رغم هذه التحديات، فإن آخرين غير قادرين أو غير راغبين في العودة في الوقت الراهن لأسباب معقّدة ومتداخلة. وعلى المجتمع الدولي أن يضمن حماية حقوقهم كلاجئين، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وأن تظل المبادئ الأساسية للحماية – المتمثلة في السلامة والكرامة والطوعية – حجر الزاوية في سياسات عودة اللاجئين.
وعلاوة على ذلك، ومع شروع سوريا ببطء في عملية إعادة بناء ذاتها، يتعيّن على المجتمع الدولي والسوريين على حدّ سواء أن يضمنوا ألّا تُعامَل حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة بوصفها قضايا منفصلة عن الاستقرار، بل باعتبارها الضمانات الجوهرية والضرورية التي تحول دون عودة الظروف ذاتها التي أشعلت العنف. إن العدالة الانتقالية الشاملة، والمساءلة، وكشف الحقيقة، وجبر الضرر للناجين، والإصلاح القانوني والسياسي الحقيقي، تُشكّل الركائز الأساسية التي يمكن أن تصون الانتقال نحو فصل أفضل في مستقبل سوريا.